ليست دموع اللات حزناً على العزى

عبدالحميد أحمد

أفسح لي قليلاً

كي أبصق على أرض أنت فيها

ولن تراني -أبداً – سأموت أيها الوجه

ولن أحيا ثانية إلا حين تموت.

رحمك الله كيف تحمل وتحتمل كل هذه المأساة وتضمها بين جوانحك صابراً ولو شكوت الذي أصابك إلى جبل صعب الذرى لأنحنى لك.

هدية بعث بها إليّ صديق عزيز وأخ كريم من قاهرة المعز، قصيدة طي كتاب هي آخر ما كتب الشاعر الياس فتح الرحمن (ليست دموع اللات حزناً على العزى) وقد زينها ذلك الصديق بإهداء أنيق (تمرين شعري في احتمال الآخر .. فتقبل.)

قلت – غفر الله لي - ما أقل الاحتمال في هذه الديار يا صاحبي وقد ضاقت أخلاق الرجال عندما ضاقت بلادهم بهم ولم يكونوا هم البادئين وإلا فانظر إلى (الياس فتح الرحمن) هذا الشاعر الحزين يجلس في مهجره لا يبرح يبكي هذا النيل ويسكب عليه العبرات الهوامل إنه غير النيل الذي أراده جماع.. ذاك كان لموجه خفقات وألحان وساكنيه كانوا سماراً وندماناً.. رحم الله إدريس جماع لم ينتظر حتى يرى تصويراً جديداً للنيل ومنظراً بريشة ألياس فتح الرحمن:

عشرون عاماً والبحر أبيض..!

لم يصبح ثلجاً .. ولم يعد لسابق لونه

هو الأن بساط لا نهائي .. من ملح متحجر

على ضفتيه تحملق عيون .. وتشرئب آذان

وتشهر أسلحة .. إنه...

ينتظر معجزة لينفلق ويذوب .. ساعتئذ ...

سأجد بيتي الذي ضاع.

أواه يا صديقي كأني اسمع صدى صوت المهاجرين يخرج من بين كلماتك.. صوت الطيب صالح كما وصفته (دليل أهله على حصتهم من جمال الحياة، وجمالهم. ورامي الغرباء بنبال فضيحة فساد النسب والمنبت.) لم نمتع به فقد ظل يقذفه المنفى إلى المنفى كأنه لا دار له ولا وطن.. ولم يكن بدعاً من ذلك فأكثر ما تجد من السودانيين في بلاد الله كلهم حزم متاعه ومضي، لذلك لم أعجب حين وجدت (د. عبد الوهاب الأفندي) ذلك المثقف العارف ساخطاً وهو يشد رحاله إلى لندن من جديد وكان قد إجتذبه (آل) الخرطوم وسرابها الكذوب، جاء يسوقه الهوى فلم يجد سيئاً، حتى المنتدى الذي كان يزمع الحديث فيه وقوّض مضي وهو يحرض العلماء والمثقفين على الهجرة بل جعلها (فرض عين) على كل أولئك.

ترى هل هذا هو الذي يصبغ أشعار الياس فتح الرحمن بكل تلك المأساة حتى أنه يقرر تلك النهاية المحزنة:

سأموت أيها الوجه

ولن أحيا ثانية إلا حين تموت.

غداً نغني مع شاعر أرسل إليه التحايا بروفيسور علي المك وهو يقدم لأول إنتاجه الشعري فيقول (تحية لهذا الكلام.. ولكل من يقول "النصيحة" غير هياب .. تحية لألياس فتح الرحمن.. هذا فتح شعري جديد) هكذا قال علي المك.